الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ، أَوْ لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، أَوْ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِهِ هُوَ لِغَيْرِهِ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِي الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا: إذَا (حَلَفَ) شَخْصٌ أَنَّهُ (لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي) مَثَلًا وَأَطْلَقَ (فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ) حَنِثَ قَطْعًا لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ (أَوْ غَيْرِهِ) بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ (حَنِثَ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَشْمَلُهُ. تَنْبِيهٌ: مُطْلَقُ الْحَلِفِ عَلَى الْعُقُودِ يَنْزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا، فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُخَالِفْ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ فَاسِدًا، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا الْمَهْرَ، كَمَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا الْعِبَادَاتُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا إلَّا الْحَجُّ الْفَاسِدُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَا لَا يَقْبَلُهُ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ، وَلَا الْمُسْتَوْلَدَةَ ثُمَّ أَتَى بِصُورَةِ الْبَيْعِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْعَقْدِ مُضَافًا إلَى مَا ذَكَرَهُ حَنِثَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا (وَلَا يَحْنَثُ) الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ مِثْلًا إذَا أَطْلَقَ (بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ) الْبَيْعَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّاهُ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ عَادَةً أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ لَا يَحْنَثُ) وَإِنْ فَعَلَهُ الْوَكِيلُ بِحَضْرَتِهِ وَأَمَرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا: سَلِّمْ إلَيْهِ فَسَلَّمَ طَلُقَتْ، وَكَانَ تَمْكِينُهَا مِنْ الْمَالِ إعْطَاءً، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْيَمِينَ يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ فَاقْتُصِرَ عَلَى فِعْلِهِ. وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَقَوْلُهَا لِوَكِيلِهَا سَلِّمْ إلَيْهِ بِمَثَابَةِ خُذْهُ فَلَاحَظُوا الْمَعْنَى، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ، ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ فَعَلَهَا، فَوَجَدَ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ صِفَةٍ، وَهُوَ الْمُوَقِّعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَوَّضَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْتِقُ عَبْدًا فَكَاتَبَهُ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ صَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْحِنْثَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ إعْتَاقٌ كَمَا أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنَزَّلَةٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ مَجَّانًا (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الْحَالِفُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَهُوَ (أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ) فَيَحْنَثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ فِيمَا ذَكَرَ فِي مَسَائِلِ الْفَصْلِ كُلِّهَا عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ وَكَانَ وَكَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ مَالِهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْوِكَالَةِ السَّابِقَةِ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَمْ يُوَكِّلْ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَكَانَ أَذِنَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِهِ هُوَ) أَيْ الْحَالِفِ النِّكَاحَ (لِغَيْرِهِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ عَدَمَ الْحِنْثِ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا أُطْلِقَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْكِحَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ حَنِثَ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ نَوَى مَنْعَ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ اتَّبَعَ. فُرُوع: لَوْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَعَقَدَ عَلَيْهَا وَلِيُّهَا نَظَرْت إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَأَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ لِمَنْ يُزَوِّجُهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُرَاجِعُ مُطَلَّقَتَهُ فَوَكَّلَ فِي رَجْعَتِهَا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا الرَّجْعَةُ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَمْ اسْتِدَامَةٌ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ، ثُمَّ جُنَّ فَعَقَدَ لَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ إذْنِهِ فِيهِ، ذَكَرْته بَحْثًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَلَوْ حَلَفَ الْأَمِيرُ لَا يَضْرِبُ زَيْدًا، فَأَمَرَ الْجَلَّادُ بِضَرْبِهِ فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ حَلَفَ لَا يَبْنِي بَيْتَهُ، فَأَمَرَ الْبَنَّاءَ بِبِنَائِهِ فَبَنَاهُ فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَأَمَرَ حَلَّاقًا فَحَلَقَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِعَدَمِ فِعْلِهِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحَيْهِ، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ.
المتن: أَوْ لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ فَبَاعَهُ بِإِذْنِهِ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ) مَثَلًا (فَبَاعَهُ) بَيْعًا صَحِيحًا بِأَنْ بَاعَهُ (بِإِذْنِهِ) أَوْ لِظَفَرٍ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ لِحَجْرٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ إذْنِ الْوَلِيِّ لِحَجْرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ (حَنِثَ) لِصِدْقِ اسْمِ الْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَشَمِلَ مَا ذَكَرْته (وَإِلَّا) بِأَنْ بَاعَهُ بَيْعًا غَيْرَ صَحِيحٍ (فَلَا) حِنْثَ لِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَهُوَ فِي الْحَلِفِ مُنَزَّلٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَذِكْرُ الْبَيْعِ مِثَالٌ، وَإِلَّا فَسَائِرُ الْعُقُودِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الصَّحِيحَ، وَكَذَا الْعِبَادَاتُ إلَّا الْحَجَّ الْفَاسِدَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَقَعُ النَّظَرُ فِي إلْحَاقِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمَا كَالصَّحِيحَيْنِ فِي حُصُولِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ا هـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إلْحَاقِهِمَا بِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِإِذْنِ وَكِيلِ زَيْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَالُ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِجَهْلِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ إلَى زَيْدٍ مَالًا فَوَكَّلَ الْحَالِفُ رَجُلًا فِي الْبَيْعِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ زَيْدًا فِي بَيْعِ ذَلِكَ فَبَاعَهُ حَنِثَ الْحَالِفُ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ زَيْدٌ أَنَّهُ مَالُ الْحَالِفِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ زَيْدٍ، وَقَدْ فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْجَهْلُ أَوْ النِّسْيَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَاشِرِ لِلْفِعْلِ لَا فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ. أَمَّا إذَا قَصَدَ الْمَنْعَ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِيهِ أَجْنَبِيًّا، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ شِئْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ أَوْ شَاءَتْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ صِفَةٍ، وَهُوَ الْمُطَلِّقُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الْوَجْهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا حِنْثَ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ.
المتن: أَوْ لَا يَهَبُ لَهُ فَأَوْجَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إنْ قَبِلَ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحْنَثُ بِعُمْرَى وَرُقْبَى، وَصَدَقَةٍ لَا إعَارَةٍ، وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَهَبُ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ مَثَلًا (فَأَوْجَبَ لَهُ) الْهِبَةَ (فَلَمْ يَقْبَلْ) (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَتِمَّ، وَيَجْرِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (وَكَذَا إنْ قَبِلَ) الْهِبَةَ (وَلَمْ يَقْبِضْ) لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْهِبَةِ نَقْلُ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَلِفِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْهِبَةِ عَدَمُ التَّبَرُّعِ عَلَى الْغَيْرِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقَبْضِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ: وَلَا يَحْنَثُ بِالْهِبَةِ لِعَبْدِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ مَعَ الْعَبْدِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا بِمُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهَا بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ مَتَى يَحْنَثُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي: أَحَدُهُمَا: حَالَةُ الْقَبْضِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْهِبَةَ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَالثَّانِي: مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْقَبْضَ دَالٌّ عَلَى الْمِلْكِ حَالَةَ الْهِبَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (وَيَحْنَثُ) مَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ (بِعُمْرَى وَرُقْبَى) وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُمَا فِي الْهِبَةِ (وَصَدَقَةٍ) تَطَوُّعًا وَهَدِيَّةٍ مَقْبُوضَةٍ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ خَاصَّةٌ مِنْ الْهِبَةِ. أَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ (إعَارَةٍ) وَضِيَافَةٍ، إذْ لَا مِلْكَ فِيهِمَا (وَوَصِيَّةٍ) لِأَنَّهَا تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتِ لَا يَحْنَثُ (وَوَقْفٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَصَدَّقُ) حَنِثَ بِالصَّدَقَةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا عَلَى فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَيَحْنَثُ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ، وَ (لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الصَّدَقَةِ. وَالثَّانِي: يَحْنَثُ كَعَكْسِهِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَخَصُّ، فَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ هِبَةٍ صَدَقَةً. نَعَمْ إنْ نَوَاهَا بِهِ حَنِثَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَلَا يَحْنَثُ بِالْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ، وَيَحْنَثُ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِهِ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الشَّكْلَ غَيْرُ مُنْتَجٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْوَسَطِ، إذْ مَحْمُولُ الصُّغْرَى صَدَقَةٌ لَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَمَوْضُوعُ الْكُبْرَى صَدَقَةٌ تَقْتَضِيه كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَبِرُّهُ حَنِثَ بِجَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ كَإِبْرَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِعْتَاقِهِ وَهِبَتِهِ وَإِعَارَتِهِ. لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُعَدُّ بِرًّا عُرْفًا، لَا بِإِعْطَائِهِ الزَّكَاةَ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنًا أَوْ لَا يُشَارِكُ فَقَارَضَ. قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ: حَنِثَ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ بَعْدَ حُصُولِ الرِّبْحِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، أَوْ لَا يَتَوَضَّأُ فَتَيَمَّمَ لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ لَا يَضْمَنُ لِفُلَانٍ مَالًا فَكَفَلَ بَدَنَ مَدْيُونِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَذْبَحُ الْجَنِينَ فَذَبَحَ شَاةً فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَنِثَ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهَا ذَكَاتُهُ، أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ يُرَاعَى فِيهَا الْعَادَةُ، وَفِي الْعَادَةِ لَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ ذَبْحٌ لِشَاتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَقْرَبُ، أَوْ لَا يَقْرَأُ فِي مُصْحَفٍ فَفَتَحَهُ وَقَرَأَ فِيهِ حَنِثَ، أَوْ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ زِيَادَةً حَادِثَةً فِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ، أَوْ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ وَهُوَ مَبْرِيٌّ فَكُسِرَ ثُمَّ بُرِيَ فَكَتَبَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْبُوبَةُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْأُولَى لَمْ تَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةُ حَالَ الْحَلِفِ، وَالْقَلَمُ فِي الثَّانِيَةِ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ دُونَ الْقَصَبَةِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى قَبْلَ الْبَرْيِ قَلَمًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ قَلَمًا، أَوْ لَا آكُلُ الْيَوْمَ إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فَاسْتَدَامَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَطَعَ الْأَكْلَ قَطْعًا بَيِّنًا ثُمَّ عَادَ حَنِثَ، وَإِنْ قَطَعَ لِشُرْبٍ أَوْ انْتِقَالٍ مِنْ لَوْنٍ إلَى آخَرَ، أَوْ انْتِظَارِ مَا يُحْمَلُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ لَمْ يَحْنَثْ.
المتن: أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ سَلَمًا، وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَاهُ بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) (لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (مَعَ غَيْرِهِ) شَرِكَةً مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يَخْتَصَّ زَيْدٌ بِشِرَائِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: اشْتَرَاهُ فُلَانٌ بَلْ بَعْضُهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ لِزَيْدٍ وَكِيلُهُ أَوْ مَلَكَهُ بِقِسْمَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا أَوْ بِصُلْحٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِرَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا (وَكَذَا لَوْ قَالَ) لَا آكُلُ (مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ) لَمْ يَحْنَثْ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ الِامْتِنَاعُ عَمَّا ثَبَتَ لِزَيْدٍ مِنْهُ شِرَاءٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ (وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (سَلَمًا) أَوْ إشْرَاكًا أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ مُرَابَحَةً، لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ مِنْ الشِّرَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي السَّلَمِ مُنَاقِضٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي بَابِهِ مِنْ عَدَمِ انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ أَنْ يَصِحَّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بَلْ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ التَّوْلِيَةَ وَالْإِشْرَاكَ بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ وَلَا يَصِحَّانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَسَبَبُهُ أَنَّ هَذِهِ بُيُوعٌ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ فِيهِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا يَصِحُّ إيرَادُهُ بِالْعَامِّ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الزَّائِدِ عَلَى الْعَامِّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ اشْتَرَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ، أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا مَلَكَهُ زَيْدٌ بِإِرْثٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِرَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ إقَالَةٍ، أَوْ خُلِّصَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا، وَكَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ مَوْضُوعٌ لِلرِّضَا بِتَرْكِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَلَا بِمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ (وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ) بِأَكْلِهِ مِنْ الْمُخْتَلَطِ (حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ) بِأَنْ يَأْكُلَ قَدْرًا صَالِحًا كَالْكَفِّ وَالْكَفَّيْنِ، لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّ فِيهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، بِخِلَافِ عَشْرِ حَبَّاتٍ وَعِشْرِينَ حَبَّةً. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّ اخْتِلَاطَهُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَمَلَكَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِالشِّرَاءِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ مِثْلُهُ الظَّنَّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَهُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ أَوْ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِيَةِ. وَأَمَّا الْأُولَى فَفِي تَحْنِيثِهِ بِالْبَعْضِ تَوَقُّفٌ لِإِعْطَاءِ اللَّفْظِ الْجَمِيعَ، لَا سِيَّمَا إذَا قَصَدَهُ الْجَمِيعُ، لَا سِيَّمَا إذَا قَصَدَهُ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت طَعَامًا يَشْتَرِيه شَائِعًا أَوْ خَالِصًا حَنِثَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ.
المتن: أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِدَارٍ أَخَذَهَا بِشُفْعَةٍ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ الْحَالِفُ (بِدَارٍ أَخَذَهَا) زَيْدٌ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا (بِشُفْعَةٍ) لِفَقْدِ الِاسْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي الْوَضْعِ وَالْعُرْفِ، إذْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ حُكْمِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ، وَيَتَصَوَّرُ أَخْذُ الْكُلِّ بِالشُّفْعَةِ فِي صُورَتَيْنِ: الْأُولَى: فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ، وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا دَارَ جَارِهِ وَيَحْكُمُ لَهُ بِهَا حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ وَقُلْنَا: يَحِلُّ لَهُ بَاطِنًا كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمْلِكَ شَخْصٌ نِصْفَ دَارٍ وَيَبِيعَ شَرِيكُهُ النِّصْفَ الْآخَرَ فَيَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَتَصِيرَ الدَّارُ جَمِيعُهَا لَهُ، ثُمَّ يَبِيعُ الْآخَرُ النِّصْفَ الَّذِي لَمْ يَمْلِكْهُ بِالشُّفْعَةِ شَائِعًا، ثُمَّ يَبِيعُهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ وَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ، لَكِنْ فِي عَقْدَيْنِ. . خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فُلَانٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ، فَخَرَجَ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ حَنِثَ، أَوْ بِإِذْنٍ فَلَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ إذْنَهُ لِحُصُولِ الْإِذْنِ، وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَالَتَيْ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ وَادَّعَى الْإِذْنَ لَهَا وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِخُرْجَةِ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ لِهَذَا الْيَمِينِ جِهَةُ بِرٍّ، وَهِيَ الْخُرُوجُ بِإِذْنٍ، وَجِهَةُ حِنْثٍ، وَهِيَ الْخُرُوجُ بِلَا إذْنٍ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ جَمِيعًا، وَإِذَا كَانَ لَهَا جِهَتَانِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْيَوْمَ الدَّارَ وَلَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فِي الْيَوْمِ بَرَّ، وَإِنْ تَرَكَ أَكْلَ الرَّغِيفِ، وَإِنْ أَكَلَهُ بَرَّ وَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْتِ لَابِسَةً حَرِيرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ لَهُ لَا تَنْحَلُّ حَتَّى يَحْنَثَ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا لَابِسَةً لَهُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى جِهَتَيْنِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخُرُوجٍ مُقَيَّدٍ، فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِلَفْظِ كُلَّمَا أَوْ كُلَّ وَقْتٍ لَمْ تَنْحَلَّ بِخَرْجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ: أَذِنْت لَك فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْت، وَلَوْ قَالَ: لَا أَخْرُجَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَك فَاسْتَأْذَنَهُ فَلَمْ يَأْذَنْ فَخَرَجَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا يُعْنَى لِعَيْنِهِ، بَلْ لِلْإِذْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَبَاعَهُ ثَوْبًا وَأَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ حَابَاهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ بِلُبْسِهِ، وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ حَنِثَ بِلُبْسِهِ إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهُ قَبْلَ لُبْسِهِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَلْبَسُ الْغَيْرُ فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ عَدَّدَ عَلَيْهِ النِّعَمَ غَيْرُهُ فَحَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ فَشَرِبَ لَهُ مَاءً بِلَا عَطَشٍ، أَوْ أَكَلَ لَهُ طَعَامًا، أَوْ لَبِسَ لَهُ ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا سَدَاهُ مِنْ غَزْلِهَا وَلُحْمَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ بِهِ، لَا بِثَوْبٍ خِيطَ بِخَيْطٍ مِنْ غَزْلِهَا؛ لِأَنَّ الْخَيْطَ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مِمَّا غَزَلَتْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا غَزَلَتْهُ بَعْدَ الْيَمِينِ، أَوْ لَا أَلْبَسُ مِمَّا تَغْزِلُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا غَزَلَتْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ، أَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ بِمَا غَزَلَتْهُ وَبِمَا تَغْزِلُهُ لِصَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُمَا. أَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ إلَخْ. هَذَا مَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ أَفْضَلَهَا أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا سَهَا عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ يَسْتَأْنِسُ لَهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَلَعَلَّهُ أَوَّلُ مَنْ اسْتَعْمَلَهَا. وَقَالَ الْبَارِزِيُّ: عِنْدِي أَنَّ الْبِرَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ صَلَوَاتِك عَدَدَ مَعْلُومَاتِك ا هـ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَحْوَطُ لِلْحَالِفِ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَا قِيلَ أَنَّهُ أَفْضَلُ أَنْ تُقْرَنَ الصَّلَاةُ بِالسَّلَامِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَلَا يُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ. أَوْ حَلَفَ لَا يَزُورُ فُلَانًا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا لَمْ يَحْنَثْ بِتَشْيِيعِ جِنَازَتِهِ، أَوْ لَا يُدْخِلُ بَيْتَهُ صُوفًا فَأَدْخُلَ شَاةً عَلَيْهَا صُوفٌ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّوفُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ بَيْضًا فَأَدْخَلَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ وَلَوْ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ حَلَفَ لَا يُظِلُّهُ سَقْفٌ. حَنِثَ بِاسْتِظْلَالِهِ بِالْأَزَجِّ. أَوْ حَلَفَ لَا يُفْطِرُ حَنِثَ بِأَكْلٍ وَجِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُفْطِرُ، لَا بِرِدَّةِ وَحَيْضٍ وَدُخُولِ لَيْلٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُفْطِرُ عَادَةً كَجُنُونٍ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا. أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ فِي نِكَاحِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ. أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ سِرًّا فَتَزَوَّجَ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذَلِكَ، وَإِنْ شَهِدَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَكِبَ ظَهْرَ إنْسَانٍ وَاجْتَازَ بِهِ النَّهْرَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ لَا يَصْطَادُ مَا دَامَ زَيْدٌ وَالِيًا أَوْ فُلَانٌ قَاضِيًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَعُزِلَ فُلَانٌ ثُمَّ وُلِّيَ لَمْ يَحْنَثْ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ، صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ،. أَوْ حَلَفَ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِأَنْ قَالَ. إنْ لَمْ أَقْضِهِ مِنْك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَقَالَ صَاحِبُهُ: إنْ أَعْطَيْته الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ جَبْرًا فَلَا يَحْنَثَانِ، وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ، وَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَقَدْرُهُمَا أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ نِصْفِ الشِّبَعِ، وَوَقْتُ السُّحُورِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْغَدْوَةُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الِاسْتِوَاءِ، وَالضَّحْوَةُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ حِينِ زَوَالِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إلَى الِاسْتِوَاءِ، وَالصَّبَاحُ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى. أَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ، أَوْ أَعْظَمَهُ، أَوْ أَجَلَّهُ فَلْيَقُلْ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك، زَادَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ: فَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي: أَوَّلُ الذِّكْرِ سُبْحَانَك، أَوْ حَلَفَ لَيَحْمِدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ، أَوْ بِأَجَلِّ التَّحَامِيدِ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، يُقَالُ: إنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَالَ: قَدْ عَلَّمَك اللَّهُ مَجَامِعَ الْحَمْدِ، وَفَسَّرَ فِي الرَّوْضَةِ يُوَافِي نِعَمَهُ بِقَوْلِهِ: أَيْ يُلَاقِيهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ بِقَوْلِهِ: أَيْ يُسَاوِي مَزِيدَ نِعَمِهِ: أَيْ يَقُومُ بِشُكْرِ مَا زَادَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ يَفِي بِهَا وَيَقُومُ بِحَقِّهَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى هَذَا. .
وَهُوَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا. لُغَةً: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَشَرْعًا: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ خَاصَّةً، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: الْتِزَامُ قُرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ كَفَّارَةٌ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} وقَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ} وَخَبَرِ مُسْلِمٍ {لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ}. تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفُوا هَلْ النَّذْرُ مَكْرُوهٌ أَوْ قُرْبَةٌ؟ نُقِلَ الْأَوَّلُ عَنْ النَّصِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ} وَنُقِلَ الثَّانِي عَنْ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيِّ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ: النَّذْرُ تَقَرُّبٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: النَّذْرُ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلُهُ: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيُعَضِّدُهُ النَّصُّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} أَيْ يُجَازِي عَلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ: وَهُوَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْقُرْبَةِ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى النَّفْلِ سَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ عَنْ حِكَايَةِ الْإِمَامِ، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا الْتَزَمَهُ، أَوْ أَنَّ لِلنَّذْرِ تَأْثِيرًا كَمَا يَلُوحُ بِهِ الْخَبَرُ، أَوْ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِشَيْءٍ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الْمَكْرُوهُ الْتِزَامُ الْقُرْبَةِ، إذْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ ا هـ. وَهَذَا أَوْجَهُ.
المتن: وَهُوَ ضَرْبَانِ نَذْرُ لَجَاجٍ: كَإِنْ كَلَّمْتُهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ، وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَفِي قَوْلٍ مَا الْتَزَمَ، وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا شَاءَ. قُلْت: الثَّالِثُ أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالدُّخُولِ، وَنَذْرُ تَبَرُّرٍ بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً إنْ حَدَثَتْ نِعْمَةٌ أَوْ ذَهَبَتْ نِقْمَةٌ كَإِنْ شُفِيَ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، وَلَا وَاجِبٍ، وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ، أَوْ تَرْكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لَكِنْ إنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ.
الشَّرْحُ: وَأَرْكَانُ النَّذْرِ ثَلَاثَةٌ: نَاذِرٌ، وَصِيغَةٌ، وَمَنْذُورٌ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ. أَمَّا النَّاذِرُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالِاخْتِيَارُ، وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَنْذُرُهُ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلِالْتِزَامِ إلَّا السَّكْرَانَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ أَوْ الْتِزَامُهَا، وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَعِتْقُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةٌ وَلَا مُكْرَهٌ لِخَبَرِ {رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ} وَلَا مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَنَذْرِ السَّفِيهِ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ الْعَيْنِيَّةَ كَعِتْقِ هَذَا الْعَبْدِ. وَيَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فِي الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِمَا فِي الذِّمَّةِ، فَيَصِحُّ نَذْرُهُمَا الْمَالِيُّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُؤَدِّيَانِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا، وَيَصِحُّ نَذْرُ الرَّقِيقِ الْمَالِيَّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَمَا لَا يَصِحَّ ضَمَانُهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي النَّذْرِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي قُرْبَةٍ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُ نَذْرِهِ الْحَجَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُشْبِهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَتَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا انْعِقَادُهُ بِكِنَايَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ بِهَا مَعَ الْبَيْعِ (وَهُوَ) أَيْ النَّذْرُ (ضَرْبَانِ) أَحَدُهُمَا: (نَذْرُ لَجَاجٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُقُوعِهِ حَالَ الْغَضَبِ، وَيُقَالُ لَهُ يَمِينُ اللَّجَاجِ، وَالْغَضَبِ وَيَمِينُ الْغَلَقِ، وَنَذْرُ الْغَلَقِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَقْصِدَ النَّاذِرُ مَنْعَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثُّ عَلَيْهِ أَوْ يُحَقِّقُ خَبَرًا أَوْ غَضَبًا بِالْتِزَامِ قُرْبَةٍ (كَإِنْ كَلَّمْتُهُ) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا، أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْهُ، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْته (فَلِلَّهِ عَلَيَّ) أَوْ فَعَلَيَّ (عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَصَلَاةٍ (وَفِيهِ) عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ اللَّجَاجُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَفِي قَوْلٍ) يَجِبُ عَلَى النَّاذِرِ فِي ذَلِكَ (مَا الْتَزَمَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى} وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ عِبَادَةً عِنْدَ مُقَابَلَةِ شَرْطٍ فَتَلْزَمُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا) أَيْ الْأَمْرَيْنِ (شَاءَ) أَيْ النَّاذِرُ فَيَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَرْت، حَتَّى لَوْ اخْتَارَ مُعَيَّنًا مِنْهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ (قُلْت) هَذَا (الثَّالِثُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (أَظْهَرُ، وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ) بَلْ لَمْ يُورِدْ أَبُو الطَّيِّبِ مِنْهُمْ غَيْرَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ، وَالْيَمِينُ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مُوجِبَيْهِمَا وَلَا إلَى تَعْطِيلِهِمَا فَوَجَبَ التَّخْيِيرُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ أَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ مِنْ صُوَرِ اللَّجَاجِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، لَكِنْ هُنَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْبِهُ الْيَمِينَ لَا النَّذْرَ، لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ قُرْبَةٍ، وَمَثَّلَ بِالْعِتْقِ وَالصَّوْمِ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ، وَالْعِتْقُ لَا يُحْلَفُ بِهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ وَالِالْتِزَامِ كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقٌ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ، فَلَوْ قَالَ: الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، فَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَفَعَلَهُ عَتَقَ الْعَبْدُ قَطْعًا، أَوْ قَالَ: وَالْعِتْقِ أَوْ وَالطَّلَاقِ بِالْجَرِّ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ، وَتَعْبِيرُهُ بِأَوْ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ، فَقَالَ: إنْ كَلَّمْته فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ وَعِتْقٌ وَحَجٌّ وَأَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ فَوَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَهُ لَزِمَهُ الْكُلُّ (وَلَوْ قَالَ:) (إنْ دَخَلْت) الدَّارَ (فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، أَوْ) كَفَّارَةُ (نَذْرٍ) (لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالدُّخُولِ) فِي الصُّورَتَيْنِ، وَهِيَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. أَمَّا الْأُولَى فَبِالِاتِّفَاقِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَمَّا إذَا قَالَ: فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ النَّذْرِ وَلَا الْحَلِفِ، وَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِمَّا يَلْتَزِمُ فِي الذِّمَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَوْ نَذْرٍ مَعْطُوفٌ عَلَى يَمِينٍ كَمَا قَدَّرْت كَفَّارَةً فِي كَلَامِهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى كَفَّارَةٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ نَذْرٌ صَحَّ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَنَصُّ الْبُوَيْطِيِّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ كَأَنْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ قَالَ: ابْتِدَاءً فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ لَزِمَهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ وَالتَّعْيِينِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (نَذْرُ تَبَرُّرٍ) وَهُوَ تَفَعُّلٌ، مِنْ الْبِرِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاذِرَ طَلَبَ بِهِ الْبِرَّ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَوْعَانِ كَمَا فِي الْمَتْنِ. أَحَدُهُمَا: نَذْرُ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِشَيْءٍ (بِأَنْ يَلْتَزِمَ) النَّاذِرُ (قُرْبَةً إنْ حَدَثَتْ) لَهُ (نِعْمَةٌ أَوْ ذَهَبَتْ) عَنْهُ (نِقْمَةٌ كَإِنْ شُفِيَ مَرِيضِي) أَوْ ذَهَبَ عَنِّي كَذَا (فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا) مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ} وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ أَقْوَامًا عَاهَدُوا وَلَمْ يُوفُوا، فَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الْآيَةَ، وَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ}. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ النِّعْمَةَ. وَخَصَّصَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا يَحْصُلُ عَلَى نُذُورٍ، فَلَا يَصِحُّ فِي النِّعَمِ الْمُعْتَادَةِ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ لَهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ الْحُسَيْنَ طَرَدَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ وَهُوَ أَفْقَهُ ا هـ. وَخَرَجَ بِالْحُدُوثِ اسْتِمْرَارُ النِّعْمَةِ وَهُوَ قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمَنْذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَالِيًّا كَمَا قَالَاهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ، وَإِنْ كَانَا صَحَّحَا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ. فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ شَيْئًا إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ فَشُفِيَ. ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَذَرَ صَدَقَةً أَوْ عِتْقًا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا؟ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْيَقِينِ، وَهُنَا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إنَّمَا وَجَبَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَاشْتَبَهَ فَيَجْتَهِدُ كَالْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ ا هـ. وَهَذَا أَوْجَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ) النَّاذِرُ (بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ) أَيْ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ (عَلَيَّ صَوْمٌ) أَوْ حَجٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ (لَزِمَهُ) مَا الْتَزَمَهُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ الْعِوَضِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ التَّبَرُّكَ أَوْ وَقَعَ حُدُوثُ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا، فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى وَشَيْخُنَا فِي الثَّانِيَةِ. فَائِدَةٌ: الصِّيغَةُ إنْ احْتَمَلَتْ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَنَذْرَ التَّبَرُّعِ رَجَعَ فِيهَا إلَى قَصْدِ النَّاذِرِ، فَالْمَرْغُوبُ فِيهِ تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ لَجَاجٌ، وَضَبَطُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحٌ، وَالِالْتِزَامُ فِي كُلٍّ مِنْهَا تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ، وَتَارَةً بِالنَّفْيِ بِالْإِثْبَاتِ فِي الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: إنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يُحْتَمَلُ التَّبَرُّرُ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: صَلِّ فَيَقُولَ: لَا أُصَلِّي. وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا، وَالنَّفْيُ فِي الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَعَلَيَّ كَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لَجَاجًا فَإِنَّهُ لَا يَبِرُّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ، وَالْإِثْبَاتِ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ: إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يُتَصَوَّرُ لَجَاجًا فَقَطْ، وَالنَّفْيُ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّرَ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْ الشُّرْبِ فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الشُّرْبِ، فَيَقُولَ: إنْ لَمْ أَشْرَبْ فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَعَلَيَّ كَذَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ: إنْ أَكَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ: إنْ يَسَّرَ اللَّهُ لِي فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِأَكْلِهِ: إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَبَيَّنَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ) كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِحَدِيثِ {لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى} رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ}، فَلَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ خَبَرِ {لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ} بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِهَا بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْيَمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ. تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَذُكِرَ فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ تَمَّ الْكَلَامَانِ كَانَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ مُنْعَقِدًا، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ صَحَّ النَّذْرُ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَصَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْجُرْجَانِيِّ فِي إيضَاحِهِ، وَلَكِنْ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَيَتَأَيَّدُ بِالنَّذْرِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَلَا) يَصِحُّ نَذْرُ (وَاجِبٍ) عَلَى الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: كَالصُّبْحِ أَوْ صَوْمِ أَوَّلِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِهِ. أَمَّا وَاجِبُ الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ فَيُصْبِحُ كَمَا إذَا نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِذَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ عَنْ حَدَثٍ خَرَجَ بِهِ عَنْ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَأَمَّا وَاجِبُ الْكِفَايَةِ فَالْأَصَحُّ لُزُومُهُ بِالنَّذْرِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، سَوَاءٌ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى بَذْلِ مَالٍ وَمُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ كَالْجِهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى أَمْ لَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُمْ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ الَّذِي هُوَ الْأَحَدُ الْمُبْهَمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَاجِبٌ عَيْنًا. وَلَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مُعَيَّنَةً مِنْ خِصَالِهِ هَلْ يَنْعَقِدُ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا أَعْلَاهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكُلِّيَّةِ، رَجَّحَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ، وَالزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ، وَقَالَ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَالْقَاضِي الثَّالِثَ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَصَّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَلَا يُغَيَّرُ (وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ) كَأَكْلٍ وَنَوْمٍ (أَوْ تَرْكَهُ) كَأَنْ لَا يَأْكُلَ الْحَلْوَى (لَمْ يَلْزَمْهُ) الْفِعْلُ وَلَا التَّرْكُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد {لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى} وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إذْ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ. قَالَ: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ} وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ {الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِك بِالدُّفِّ، فَقَالَ لَهَا: أَوْفِ بِنَذْرِك}، بِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ السُّرُورُ لِلْمُسْلِمِينَ بِقُدُومِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَغَاظَ الْكُفَّارَ، وَأَرْغَمَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ مِنْ الْقُرَبِ، وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ ضَرْبُهُ فِي النِّكَاحِ لِيَخْرُجَ عَنْ مَعْنَى السِّفَاحِ؛ وَفُسِّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْمُبَاحُ بِمَا لَمْ يُرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ، وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ: وَاسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا كَنَوْمٍ وَأَكْلٍ، وَسَوَاءٌ أَقُصِدَ بِالنَّوْمِ النَّشَاطُ عَلَى التَّهَجُّدِ، وَبِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالثَّوَابَ عَلَى الْقَصْدِ لَا الْفِعْلِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ مَرَّ فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كَانَ مَنْدُوبًا، وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، لِأَنَّ الْهِبَةَ وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً فَكَانَتْ مُبَاحَةً كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا انْعِقَادُ النَّذْرِ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ؟. ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ نَذْرِ الْمُبَاحِ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ إنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ) فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يُوَافِقُ الْأَوَّلُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك أَوْ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَكَلَامُ الْمَتْنِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ، وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّذْرِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ كَصَوْمِ الدَّهْرِ غَيْرِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ هَلْ يَنْعَقِدُ أَوْ لَا؟ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي يُفْهِمُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا، لِأَنَّ النَّذْرَ تَقَرُّبٌ، وَالْمَكْرُوهَ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَنْعَقِدُ، فَالْمَكْرُوهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ بِهِ فَوْتَ حَقٍّ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَيَنْعَقِدُ، فَإِذَا نَذَرَ صَوْمًا بَعْدَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ رَمَضَانُ أَدَاءً وَقَضَاءً وَالْعِيدَانِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَكَفَّارَةٌ تَقَدَّمَتْ نَذْرَهُ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ صَامَ عَنْهَا وَفَدَى عَنْ النَّذْرِ، وَيَقْضِي فَائِتَ رَمَضَانَ، ثُمَّ إنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِلَا عُذْرٍ فَدَى عَنْ صَوْمِ النَّذْرِ قَضَاءَ مَا يُفْطِرُهُ مِنْ الدَّهْرِ، فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سَفَرَ نُزْهَةٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ أَرَادَ وَلِيُّهُ الصَّوْمَ عَنْهُ حَيًّا لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِرًّا أَمْ لَا، عَجَزَ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ مَنَعَ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ الْمَنْذُورِ بِحَقٍّ سَقَطَ الصَّوْمُ عَنْهَا وَلَا فِدْيَةَ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الصَّوْمُ عَنْهَا وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ إنْ لَمْ تَصُمْ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ فَلَمْ تَصُمْ تَعَدِّيًا فَدَتْ. فُرُوعٌ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ، وَإِنْ صَحَّ فِعْلُ الْمَنْذُورِ فِيهِمَا، وَلَا نَذْرُ التَّيَمُّمِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ وَإِنْ نَذَرَ الْوُضُوءَ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى التَّجْدِيدِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا، وَإِنْ نَذَرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ، وَيَكْفِيه فِي خُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ وُضُوءُ الْحَدَثِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ انْعَقَدَ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَإِلَّا فَلَا. أَوْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي الْفَرْضِ فِي الْمَرَضِ إنْ تَضَرَّرَ بِذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِلَّا انْعَقَدَ، أَوْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّفْلِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرَرِ انْعَقَدَ. . وَلَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فِي الْمَرَضِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَقَدَرَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ نَذَرَ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ كَالصَّدَقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ الِالْتِزَامُ لَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ بِهَذَا الدِّينَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَضَافَ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدَ فُلَانٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَإِنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدًا، أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدًا، أَوْ إنْ مَلَكْتُهُ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ الْتَزَمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ، وَفِي الْأَخِيرَةِ مَالُكَ لِلْعَبْدِ، وَقَدْ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ الشِّفَاءِ وَالدُّخُولِ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا يَعْتَبِرُ فِيهِ عَلَيَّ، وَلَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْتُ عَبْدًا أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، وَمَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ، بَلْ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ هُوَ مَالِكًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَغَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْت أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، وَمَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَوْ فَهُوَ حُرٌّ انْعَقَدَ نَذْرُهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ بِشِقَّيْهَا. وَلَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لِلنَّاسِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ بِهِمْ فِي زَمَنِ الْجَدْبِ، وَأَنْ يَؤُمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَيَخْطُبَ بِهِمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ غَيْرُ الْإِمَامِ لَزِمَهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَوْ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ نَذَرَ الِاسْتِسْقَاءَ بِالنَّاسِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ. كَذَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَعِبَارَةُ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ النَّصِّ لَوْ نَذَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مَعَ النَّاسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ، فَقَوْلُهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِسْقَائِهِ بِالنَّاسِ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُطْبَةِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْقِيَامُ فِيهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ.
المتن: وَلَوْ نَذَرَ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (نَذَرَ) كِسْوَةَ يَتِيمٍ لَمْ يَجُزْ كِسْوَةُ يَتِيمٍ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْيَتِيمِ فِي الشَّرْعِ لِلْمُسْلِمِ.
المتن: صَوْمَ أَيَّامٍ نُدِبَ تَعْجِيلُهَا، فَإِنْ قَيَّدَ بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ وَجَبَ، وَإِلَّا جَازَ.
الشَّرْحُ: أَوْ نَذَرَ (صَوْمَ أَيَّامٍ) مَعْدُودَةٍ مُعَيَّنَةٍ (نُدِبَ تَعْجِيلُهَا) مُسَارَعَةً إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ نُدِبَ ذَلِكَ، مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَوْمُ كَفَّارَةٍ سَبَقَتْ النَّذْرَ، وَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُنْدَبُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ وَتُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ وَجَبَ تَعْجِيلُهَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، فَلَوْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَالْمُجَاهِدِ وَالْمُسَافِرِ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِالصَّوْمِ فَالْأَوْلَى التَّأْخِيرُ لِزَوَالِ، الْمَانِعِ، لَا سِيَّمَا إنْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّذْرِ، وَلَوْ خَشِيَ النَّاذِرُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الصَّوْمَ عَجَزَ عَنْهُ مُطْلَقًا إمَّا لِزِيَادَةِ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ لِهَرَمٍ لَزِمَهُ التَّعْجِيلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً تَعَيَّنَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْدُودَةً كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَيَّامٍ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ قَيَّدَهَا بِكَثِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ (فَإِنْ قَيَّدَ) نَذْرَ صَوْمِ الْأَيَّامِ (بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ) (وَجَبَ) ذَلِكَ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ. أَمَّا الْمُوَلَّاةُ فَقَطْعًا، وَأَمَّا التَّفْرِيقُ فَعَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِي صِيَامِ التَّمَتُّعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِتَفْرِيقٍ وَلَا مُوَالَاةٍ (جَازَ) أَيْ التَّفْرِيقُ وَالْمُوَالَاةُ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، لَكِنَّ الْمُوَالَاةَ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ.
المتن: أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ صَامَهَا وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْهُ وَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُ وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ، فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ) كَسَنَةِ كَذَا أَوْ سَنَةٍ مِنْ الْغَدِ، أَوْ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا (صَامَهَا) عَنْ نَذْرِهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَأَفْطَرَ) مِنْهَا (الْعِيدَ) أَيْ يَوْمَيْهِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى (وَالتَّشْرِيقَ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وُجُوبًا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ (وَصَامَ) شَهْرَ (رَمَضَانَ) مِنْهَا (عَنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ (وَلَا قَضَاءَ) عَلَيْهِ لِلنَّذْرِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ، فَإِذَا أَطْلَقَ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَدْخُلَ فِي نَذْرِهِ (وَإِنْ) (أَفْطَرَتْ) أَيْ امْرَأَةٌ فِي سَنَةٍ نَذَرَتْ صِيَامَهَا (بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِأَيَّامِهَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الزَّمَانَ قَابِلٌ لِلصَّوْمِ، وَإِنَّمَا أَفْطَرَتْ لِمَعْنًى فِيهَا فَتَقْضِي كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْمُرْشِدُ فَتَبِعَهُمْ الْمُحَرَّرُ (قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ) قَضَاءُ زَمَنِ أَيَّامِهَا (وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ أَيَّامَهُمَا لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ فَلَا تَدْخُلُ بِالنَّذْرِ كَالْعِيدِ، وَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ، وَنَازَعَ فِي نَقْلِ الثَّانِي عَنْ الْجُمْهُورِ. تَنْبِيهٌ: الْإِغْمَاءُ فِي ذَلِكَ كَالْحَيْضِ (وَإِنْ) (أَفْطَرَ) النَّاذِرُ مِنْ السَّنَةِ (يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ) أَثِمَ، وَ (وَجَبَ قَضَاؤُهُ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ (وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ) لِأَنَّ التَّتَابُعَ إنَّمَا كَانَ لِلْوَقْتِ كَمَا فِي رَمَضَانَ، لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، بَلْ لَوْ أَفْطَرَ جَمِيعَ السَّنَةِ لَمْ يَجِبْ الْوَلَاءُ فِي قَضَائِهَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أَفْطَرَ بِعُذْرِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَحْضِ اخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا أَيَّامُ الْمَرَضِ الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي النَّذْرِ لِاسْتِثْنَائِهَا شَرْعًا، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ، وَقَالُوا كَمَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِ الْأَثَانِينَ ا هـ. وَهَذَا أَوْجَهُ، وَفَرَّقَ ابْنُ كَجٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِهِ أَيْ فَهُوَ كَعُذْرِ السَّفَرِ بِخِلَافِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي السَّنَةِ التَّتَابُعُ (فَإِنْ شَرَطَ) فِيهَا (التَّتَابُعَ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُهَا مُتَتَابِعًا (وَجَبَ) اسْتِئْنَافُهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ مَعَ التَّعْيِينِ لَغْوٌ.
المتن: أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ، وَلَا يَقْطَعُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَيَقْضِيهَا تِبَاعًا مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ، وَلَا يَقْطَعُهُ حَيْضٌ، وَفِي قَضَائِهِ الْقَوْلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يَجِبْ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ هِلَالِيَّةٍ (غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ) فِيهَا (التَّتَابُعَ) (وَجَبَ) وَفَاءٌ بِمَا الْتَزَمَهُ (وَلَا يَقْطَعُهُ) أَيْ التَّتَابُعَ فِيهَا (صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ) لِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ شَرْعًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَنْ فَرْضِهِ عَمَّا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ عَنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَيَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُع قَطْعًا (وَيَقْضِيهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَوْمَ سَنَةٍ وَلَمْ يَصُمْهَا (تِبَاعًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ وَلَا (مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ) عَمَلًا بِشَرْطِ التَّتَابُعِ، وَقِيلَ لَا يَقْضِي كَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ لَا يُبَدَّلُ بِغَيْرِهِ، وَالْمُطْلَقَ إذَا عُيِّنَ قَدْ يُبَدَّلُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ، فَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ الَّتِي تَقْبَلُ الصَّوْمَ مِنْ سَنَةٍ مُتَتَابِعَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَطْعًا، وَإِنْ نَوَى عَدَدًا يَبْلُغُ سَنَةً كَأَنْ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَطْعًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِذَا أَطْلَقَ النَّاذِرُ السَّنَةَ حُمِلَتْ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا السَّنَةُ شَرْعًا (وَلَا يَقْطَعُهُ) أَيْ التَّتَابُعَ فِي السَّنَةِ لَوْ كَانَ النَّاذِرُ لَهَا امْرَأَةً (حَيْضٌ) وَنِفَاسٌ أَيْ زَمَنُهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (وَ) لَكِنْ (فِي قَضَائِهِ) وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِي قَضَاءِ زَمَنِ الْحَيْضِ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَجِبُ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْأَشْبَهُ لُزُومُهُ كَمَا فِي رَمَضَانَ، بَلْ أَوْلَى وَفَرَضَهُ فِي الْحَيْضِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَإِنْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ كَفِطْرِهِ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ) أَيْ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ السَّنَةِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ (لَمْ يَجِبْ) أَيْ التَّتَابُعُ فِيهَا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ فَيَصُومُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا.
المتن: أَوْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَانَ، وَكَذَا الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ فِي الْأَظْهَرِ، فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا لِكَفَّارَةٍ صَامَهُمَا، وَيَقْضِي أَثَانِيهِمَا، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي إنْ سَبَقَتْ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ. قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتَقْضِي زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ (يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا) (لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَانَ) الْوَاقِعَةُ فِيهِ غَالِبًا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ جَزْمًا؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَشْمَلُهَا لِسَبْقِ وُجُوبِهَا. وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ فِيهِ خَمْسَةُ أَثَانِينَ فَفِي قَضَاءِ الْخَامِسِ الْقَوْلَانِ فِي الْعِيدِ كَمَا قَالَ (وَكَذَا الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ) إنْ اتَّفَقَ شَيْءٌ مِنْهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يَقْضِي أَبَدًا (فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى أَثَانِي رَمَضَانَ. وَالثَّانِي: يَقْضِيهَا؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الِاثْنَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ لَازِمٍ. تَنْبِيهٌ: أَثَانِي بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ جَمْعُ اثْنَيْنِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَيْضًا، لَكِنْ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَجْمَعَهُ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْوَاحِدِ قُلْت أَثَانِينَ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَثَانِينَ، بَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ، وَعَنْ النَّحَّاسِ أَنَّ أَثَانِيَ بِحَذْفِ النُّونِ أَكْثَرُ مِنْ أَثَانِينَ بِإِثْبَاتِهَا. قَالَ الشَّارِحُ: وَكَانَ وَجْهُ حَذْفِ النُّونِ التَّبَعِيَّةَ لِحَذْفِهَا مِنْ الْمُفْرَدِ، وَوَجْهُ إثْبَاتِهَا أَنَّهَا مَحَلُّ الْإِعْرَابِ بِخِلَافِهَا فِي الْمُفْرَدِ، وَظَاهِرٌ عَلَى الْحَذْفِ بَقَاءُ سُكُونِ الْيَاءِ كَمَا نَقَلَ عَنْ ضَبْطِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ: أَيْ وَلَاءً (لِكَفَّارَةٍ) أَوْ لِنَذْرٍ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ وَقْتًا (صَامَهُمَا وَيَقْضِي أَثَانِيَهِمَا) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ (وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي إنْ سَبَقَتْ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ) أَيْ نَذْرَ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ (قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْكَفَّارَةُ لَوْ تَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته (وَتَقْضِي) الْمَرْأَةُ فِي نَذْرِهَا صَوْمَ الْأَثَانِي ( زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) وَاقِعٌ فِي الْأَثَانِي (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ وُقُوعُهُ فِيهِ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ نَذْرِهَا. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَمَا فِي الْعِيدِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَرْجِيحُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ اسْتِدْرَاكِهِ هُنَا عَنْ الْمُحَرَّرِ اكْتِفَاءً بِاسْتِدْرَاكِهِ عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ حَيْثُ قَالَ: قُلْت الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ وَلَوْ كَانَ لَهَا عَادَةً غَالِبَةً، فَعَدَمُ الْقَضَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي عَادَتِهَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي لَا يَقَعُ فِي عَادَتِهَا فِي مُفْتَتَحِ الْأَمْرِ، وَتَقْضِي مَا فَاتَ بِالْمَرَضِ.
المتن: أَوْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) نَذَرَ (يَوْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصُمْ) عَنْهُ (قَبْلَهُ) فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرٌ عَنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَفَعَلَهُ صَحَّ وَكَانَ قَضَاءً.
المتن: أَوْ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَسِيَهُ صَامَ آخِرَهُ وَهُوَ الْجُمُعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَقَعَ قَضَاءً.
الشَّرْحُ: (أَوْ) نَذَرَ (يَوْمًا) عَيَّنَهُ (مِنْ أُسْبُوعٍ) أَيْ جُمُعَةٍ (ثُمَّ نَسِيَهُ) (صَامَ آخِرَهُ) أَيْ الْأُسْبُوعِ (وَهُوَ الْجُمُعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ) أَيْ الْيَوْمُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْجُمُعَةَ (وَقَعَ) صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (قَضَاءً) عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَقَدْ وَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: {أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى اللَّيْلِ} وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِهِ وَفِي مَجْمُوعِهِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ: سُمِّيَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، لِأَنَّهُ ثَانِي الْأَيَّامِ، وَالْخَمِيسِ، لِأَنَّهُ خَامِسُ الْأُسْبُوعِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ فَيَكُونُ آخِرُهُ السَّبْتَ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنَّهُ حَدِيثٌ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحُفَّاظِ وَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبٍ، وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ فَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالتَّوَارِيخِ مِنْ أَنَّ بَدْءَ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ لَا فِي السَّبْتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: {خَلَقَ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ} وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ: وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ حَتَّى يَصُومَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأُسْبُوعِ لِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ لِأَجْلِ الْإِبْهَامِ، وَلَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ يُصَلِّيهَا فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا يَنْعَقِدُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ صِحَّةِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ. وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ نَذْرَ الْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ فَلَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّهُ كَانَ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ وَصَامَ أَحَدَهُمَا وَنَسِيَ الْآخَرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا كَرَاهَةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ أُسْبُوعٍ وَنَسِيَهُ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ رُبَّمَا يَتَعَيَّنُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ إلَّا قَلِيلُ الْفَهْمِ أَوْ مُعَانِدٌ.
المتن: وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ فَنَذَرَ إتْمَامَهُ لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ يَوْمٌ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ) (شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ) أَوْ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ طَوَافِهِ، أَوْ اعْتِكَافِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ (فَنَذَرَ إتْمَامَهُ) (لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ النَّفَلَ عِبَادَةٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَكَّنَهُ مِنْ إبْطَالِهِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي الِانْعِقَادِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي اللُّزُومِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ اللُّزُومِ فِي الصَّوْمِ إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ، فَإِنْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِهِ الْوَفَاءُ بِهِ قَوْلَانِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ اللُّزُومَ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَنَا صَوْمٌ وَاجِبٌ يَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّهَارِ إلَّا هَذَا. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ تُفْهِمُهُ لِقَوْلِهِ: مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا عَنْ تَطَوُّعٍ (وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ) نَذْرُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ (وَقِيلَ) يَنْعَقِدُ وَ (يَلْزَمُهُ يَوْمٌ)؛ لِأَنَّ صَوْمَ بَعْضِ الْيَوْمِ لَيْسَ مَعْهُودًا شَرْعًا فَلَزِمَهُ يَوْمٌ كَامِلٌ. تَنْبِيهٌ: يَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ نَذَرَ بَعْضَ رَكْعَةٍ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ نُسُكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ بِبَعْضِ نُسُكٍ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نُسُكًا كَالطَّلَاقِ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ طَوَافٍ فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ، هَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ؟ وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى، وَإِنْ نَذَرَ سَجْدَةً لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً بِلَا سَبَبٍ، بِخِلَافِ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ فِي عَامِهِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ لِضِيقِ الْوَقْتِ كَأَنْ كَانَ عَلَى مِائَةِ فَرْسَخٍ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا الْتَزَمَهُ.
المتن: أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ نَهَارًا وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ يَوْمٌ آخَرُ عَنْ هَذَا، أَوْ وَهُوَ صَائِمٌ نَفْلًا فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ يَجِبُ تَتْمِيمُهُ وَيَكْفِيه، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ فَقَدِمَا فِي الْأَرْبِعَاءِ وَجَبَ صَوْمُ الْخَمِيسِ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ وَيَقْضِي الْآخَرَ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَصُومَ (يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ) (فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ) لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا، لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ قُدُومَهُ غَدًا فَيَنْوِي صَوْمَهُ لَيْلًا (فَإِنْ قَدِمَ) زَيْدٌ (لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيدٍ) أَوْ تَشْرِيقٍ (أَوْ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِالْيَوْمِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقُدُومُ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الصَّوْمَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَرَادَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ فَقَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا اُسْتُحِبَّ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَصُومَ صَبِيحَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَجْلِ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، أَوْ يَوْمًا آخَرَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (أَوْ) قَدِمَ زَيْدٌ (نَهَارًا وَهُوَ) أَيْ النَّاذِرُ (مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ) فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ (يَوْمٌ آخَرَ) قَضَاءً (عَنْ هَذَا) الْمَنْذُورِ وَهُوَ صَوْمُ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ وَفَاتِهِ، وَيُسَنُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمًا مُسْتَحَقَّ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي التَّهْذِيبِ: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ صَامَهُ عَنْ نَذْرٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ يَنْعَقِدُ أَيْ مَعَ الْإِثْمِ وَيَقْضِي نَذْرَ هَذَا الْيَوْمِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ مُفْطِرٌ إفْطَارُهُ بِتَنَاوُلِهِ مُفْطِرًا، أَوْ بِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ. نَعَمْ إنْ أَفْطَرَ لِجُنُونٍ طَرَأَ عَلَيْهِ فَلَا قَضَاءَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ هَلْ يَتَبَيَّنُ وُجُوبُ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْقُدُومِ وَأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ وَلَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ إلَّا بِيَوْمٍ كَامِلٍ؟ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا مَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ نَهَارًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَإِنْ اقْتَضَى مَا ذُكِرَ لُزُومُ يَوْمٍ وَتَبَيَّنَ وُقُوعُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقُدُومِهِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ، فَإِنْ سَبَقَ فِيهِ بَيْعُ الْعَبْدِ فِي الْأَوَّلِ وَمَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْأَوَّلِ لِتَبَيُّنِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ، وَلَا إرْثَ فِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بَائِنًا، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ بَعْدَ الْيَوْمِ صَحَّ مَا ذُكِرَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا مَا لَوْ صَامَهُ عَنْ الْقُدُومِ بِأَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا بِخَبَرِ ثِقَةٍ مَثَلًا فَبَيَّتَ الصَّوْمَ، وَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ لِبِنَائِهِ عَلَى أَصْلٍ مَظْنُونٍ (أَوْ) قَدِمَ زَيْدٌ (وَهُوَ) أَيْ النَّاذِرُ (صَائِمٌ نَفْلًا) وَقُدُومُ زَيْدٍ قَبْلَ الزَّوَالِ (فَكَذَلِكَ) يَجِبُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ عَنْ نَذْرِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ، وَالنَّفَلُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَرْضِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي لُزُومِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ (وَقِيلَ) لَا، بَلْ (يَجِبُ تَتْمِيمُهُ) بِقَصْدِ كَوْنِهِ عَنْ النَّذْرِ (وَيَكْفِيه) عَنْ نَذْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لُزُومَ الصَّوْمِ مِنْ وَقْتِ قُدُومِهِ، وَيَكُونُ أَوَّلُهُ تَطَوُّعًا وَآخِرُهُ فَرْضًا: كَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ (وَلَوْ قَالَ:) (إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ قُدُومِهِ (فَقَدِمَا) أَيْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو (فِي الْأَرْبِعَاءِ وَجَبَ صَوْمُ الْخَمِيسِ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ) لِسَبْقِهِ (وَيَقْضِي الْآخَرَ) لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي وَقْتِهِ، فَلَوْ صَامَ الْخَمِيسَ عَنْ النَّذْرِ الثَّانِي أَثِمَ وَصَحَّ فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ النَّذْرِ عَنْ غَيْرِهِ وَيَقْضِي يَوْمًا آخَرَ مِنْ النَّذْرِ الْآخَرِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسَ قُدُومِهِ صَحَّ نَذْرُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَجْمُوعِ، هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ شُهْبَةَ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، ثُمَّ قَالَ: مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ قَالَ يَصِحُّ نَذْرُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ سَهْوًا ا هـ. وَلَعَلَّ نُسَخَهُ مُخْتَلِفَةٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ مَثَلًا كَمَا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كَلَامُ الْأَئِمَّةِ نَاطِقٌ بِأَنَّ هَذَا النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالْقُدُومِ نَذْرُ شُكْرٍ عَلَى نِعْمَةِ الْقُدُومِ، فَلَوْ كَانَ قُدُومُهُ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ لِلنَّاذِرِ كَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ يَهْوَاهَا أَوْ أَمْرَدَ يَعْشَقُهُ أَوْ نَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ الْمُلْتَزَمِ بِهِ بِالْمُعَلَّقِ، وَاَلَّذِي يَشِطُّ كَوْنُهُ قُرْبَةَ الْمُلْتَزَمِ لَا الْمُعَلَّقِ بِهِ وَالْمُلْتَزَمُ هُنَا الصَّوْمُ، وَهُوَ قُرْبَةٌ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ قُرْبَةً أَمْ لَا.
|